بطل قصة اليوم أحبائي الصغار هو الغراب. وسيروي لنا اليوم أحد القصص القرآنية العظيمة وهي قصة غراب بني آدم التي ذكرها الله تعالى في سورة المائدة. وتحكي هذه القصة عن أول جريمة قتل حدثت في الأرض وعرفتها البشرية وهي قتل قابيل لهابيل أبناء سيدنا آدم عليه السلام. لذلك سُميت هذه القصة بغراب بني آدم كناية عن عهد نزول آدم إلى الأرض. وسوف نتعرف من خلال هذا المقال على قصة الغراب التي ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز. وكيف كرمه الله بأن ذكره في القرآن الكريم!
من أول من نزل إلى الأرض؟
خلق الله عز وجل سيدنا آدم من تراب ثم نفخ فيه من روحه وكرمه على باقي المخلوقات آنذاك من الجن والملائكة. وكان سيدنا آدم يعيش في الجنة بمفرده فخلق الله له السيدة حواء سيدة نساء الأرض لكي تؤنس وحدته. وظلا يتمتعا في الجنة ويأكلان منها كل ما لذ وطاب عدا الشجرة التي نهاه الله عن أكلها. وذات يوم وسوس الشيطان لهما أن يأكلا من هذه الشجرة لكي يحظيا بالخلد وملك لا يفنى. وقد ورد ذلك في قوله تعالى: “وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ”. سورة البقرة: 35.
وقوله تعالى أيضا: “فوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَٰنُ قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍۢ لَّا يَبْلَىٰ”.
فغضب الله عليهما وأنزلهما إلى الأرض جميعا إلى أن يقضي أمرا كان مفعولا. ثم دعا آدم ربه فتاب عليه وبهذا كان أول نبي نزل إلى الأرض وحمل رسالة الله من عبادته وتعمير الأرض. كما جاء في كتاب الله العزيز: ﴿ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
لم يكن كوكب الأرض في ذلك الوقت يسكنه أحد من الإنس والجن. فكانت المهمة الأولى لسيدنا آدم والسيدة حواء هي تعمير الأرض بالذرية. لذلك في كل مرة كانت تضع حواء ذكر وأنثى في نفس البطن. وكان نبي الله آدم يزوج كل ذكر بأنثى من بطن أخرى.
وكان قابيل وهابيل أحد أبناء سيدنا آدم. وكان قابيل أكبر من هابيل بسنوات لذلك كان يجب عليه أن يتزوج قابيل بأخت هابيل والعكس كذلك.
صفات هابيل وقابيل أبناء سيدنا آدم
عرف هابيل منذ صغره بالطيبة وحسن الطيبة حيث كان يعامل أبويه وأخيه معاملة جيدة. أما قابيل فقد كان شديد الغيرة من أخيه دائما ما يسئ له ويعامله معاملة سيئة. وعندما شب الأخوان طلب منهما سيدنا آدم عليه السلام أن يتزوجا كلا منهما بأخت الأخر. ولكن قابيل رفض رفضا شديدا أن يتزوج أخت هابيل لأنه كان يريد أن يتزوجها. لذلك توجه الأخوين لأبيهما من أجل حل هذا النزاع.
ماذا فعل قابيل وهابيل لكي يقبل الله طلبهما؟
عندما لجأ الأبناء إلى نبي الله آدم طلب منهما أن يقدما قربانا إلى الله عز وجل. والقربان هو كل ما يتقدم به العبد لكي يتقرب إلى الله ويلبي له طلبه. وعندما قدما قربناها تقبل الله من هابيل الذي قام بتقديم كبش كبير حيث أخذ يبحث بين أغنامه على أكبر كبش ليقدمه قربانا لله تعالى.
أما هابيل فكل ما قدمه قربانا لله هي بضعة من حبوب القمح التي أوشكت أن تفسد. وبعد أن فرغ كلا منهما من تقديم القرابين انتظرا قليلا حتى نزلت من السماء نار عظيمة أكلت ما قدمه هابيل وتركت ما قدمه قابيل من قربان.
وهنا غضب قابيل غضبا شديدا وتعجب قائلا لأخيه باستنكار: كيف يتقبل الله منك ولم يتقبل مني ما قدمته من قربان.
فرد عليه هابيل قائلا: إنما يتقبل الله من المتقين.
وهنا عزم قابيل على قتل أخيه هابيل.
ماذا فعل قابيل بأخيه قابيل عندما تقبل الله قربان هابيل؟
اشتد غيرة قابيل من أخيه هابيل وتوعد بقتله لأن الله لم يتقبل قربانه. وما كان رد هابيل عندما عزم قابيل على قتله إلا أن قال له: “إن مددت يدك إلى لتقتلي، لن أمد يدي إليك لأقتلك”. وقد جاء ذلك في النص القرآني في سورة المائدة الآية رقم 28: “لَئِن بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إنّي أخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ”.
وبالفعل قتل قابيل هابيلا وكانت هذه أول جريمة ترّتكب على وجه الأرض. لتظهر حكمة الله تعالى في خلق الخير والشر وتجسد الصراع البشري الآزلي منذ خلق البشرية وحتى الآن.
وهنا شعر قابيل بالندم والحسرة على قتل أخيه وحزن لما فعله به. ولم يكن يعرف كيف يتصرف وكيف يواري سوءة أخيه. فصار في كل مكان يحمل حثته باحثا عن مكان يخبأة به.
وهنا أمر الله عز وجل الغراب أن يقوم بدفن غراب أخر ميت ودفنه في الأرض. حيث قام الغراب بحفر الأرض وإزالة التراب ثم وضع الغراب الميت به وتغيطته بالتراب مرة أخرى. وعندما شاهده قابيل قام بدفن أخيه بنفس الطريقة وتعجب من عجزه بأن يجد طريقة لدفن أخيه كما فعل الغراب. كما توضح لنا الآية الكريمة: ” فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ”.